خاص هيئة علماء فلسطين

    

د. عصام عبد المولى[1]

ملخص البحث

استعمل علماء أصول الفقه مصطلح “المسكوت” في العديد من المواضع، ومن أهمّها مباحث المنطوق والمفهوم، ومباحث القياس، ومباحث العفو والمباح. وتوصّل الباحث إلى أن المقصود من مصطلح السكت هو “عدمُ التّنصيصِ المباشرِ مِن قِبَل المُشرِّع على الحُكم، مِن غيْر وجود التزامٍ بين المسكوتِ والمنصوصِ، ولم يكن السكوتُ للضّرورةِ، أو للعفوِ”. وتتقاطع المصطلحات ذات الصّلة مع المفهوم من زاوية عدم التّنصيص، بينما تختلف في رتبة ذلك، والدّلالة الخاصة التي يمتاز بها كل مفهوم.

ولكي تكتمل الصورة المبيِّنة للمسكوت عند الأصوليّين بيّن الباحث حجم المسكوت عنه بالنّسبة للمنصوص عليه، ورأيَ العلماء في هذا الحجم، ومدى شمول النصّ للوقائع المسكوت عنها.

الكلمات المفتاحية: المسكوت، المنصوص، العفو، دلالة الالتزام، بيان الضرورة.

Abstract

In these pages the researcher will shed light on the concept of unmentioned events in the view of AL-Usooleen and clear up the relationship between unmentioned events and other similar idioms.

The researcher will only show the sorts of unmentioned events without speaking about the ways that AL-Usooleon have used to know the rule of unmentioned events. After that the researcher will show the size of unmentioned events in relation to the mentioned ones. He will also mention the opinions of some AL-Usooleen in this size.

Then he follows the comparative method in order to choose the best opinion.

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

لا يخفى على المتخصصين أن مِن متطلبات الرسالة الخالدة احتواؤها على مقومات ذاتية تضمن الاستمرارية والخلود، وليس من هذه المقومات التنصيص على حُكم شرعي لكل حادثة وواقعة، إذ يعسر هذا الأمر؛ إذ الوقائع غير محصورة، متجددة تجدد الزمان، بل إنّ من كمال الشريعة التنصيص على المبادئ الكلية، والأساسات الراسخة، وفتح الآفاق للمجتهدين للانطلاق من تلك الأسس، وَفق متطلبات كل عصر. وبالتالي فإن محدودية النصوص تعد سمة مدح للشريعة الإسلامية، وهو سر خلودها، والنقص يكمن في التنصيص على الأحكام كلِّها؛ حاضرها ومستقبلها. ولعلّ النظر إلى التنصيص على كل الأحكام ـ من زاوية أنه يقطع الاختلاف، ويجمع ولا يفرق ـ يقدم رؤية إيجابية للتنصيص، ولكن هذه الإيجابية ستنحسر أمام التضخم الهائل الذي سينتج عن التنصيص.

قد أراد الله تعالى الاختلاف المثمر لهذه الأمة، ولو أراد عكسه لكان هذا ظاهرًا؛ فقد قال تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]. إن الله تعالى قادر على أن يجعل الكتاب كله من “المحكم”، لكن رحمته بهذه الأمة اقتضت وجود دائرة من الاختلاف. فالاختلاف سمة حضارية، وهو سبب ثراء، وبالتالي فإن محدودية النصوص، وعدم التنصيص على كل الأحكام أكثر إيجابية من التنصيص، لكن هذه المحدودية للنصوص لا تتناسب طردًا مع الوقائع المتجددة وغير المحصورة، والتي تحتاج لأنْ تتأطر في إطار شرعي، وتعطَى حكمها الدقيق. ولا يخفى أن الله عز وجل قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقال أيضًا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، وذكر عامة المفسرين أن لمعنى “الكتاب” قولين؛ الأول: إن الكتاب هو اللوح المحفوظ، فتكون معنى الآية: ما تركنا شيئًا إلا وقد كتبناه في أم الكتاب. أما القول الثاني: إن الكتاب هو القرآن، فتكون معنى الآية: ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم؛ إما تصريحًا، وإما تلميحًا..

فالله تعالى قد تكفل باستمرار هذه الشريعة، وبقائها إلى قيام الساعة، وشمر العلماء عن ساعد الجد، وبدؤوا بالبحث والكشف عن المصادر التي تساعدهم في الحكم على الوقائع، وبالتالي كشفوا عن كيفية تحقق معجزة استمرارية هذه الشريعة. وظَهرت براعتهم أكثر في كيفية التعامل مع الوقائع المتجددة المسكوت عنها، والتي لم ينصَّ الشارع على حكمٍ لها، فاستخدم جميع الفقهاء آلية لتعدية حكم المنصوص إلى غير المنصوص، وبالتالي أثبتوا حكمًا لكل مسكوت، وكانت هذه مِيزة الشريعة الإسلامية التي انفردتْ بها عن بقية الشرائع.

في هذه الورقات، سأبين مفهوم “السكت” من الزاوية الأصولية، وفي دراسة أخرى لاحقة أبين كيفية معالجة الشريعة للوقائع المسكوت عنها، والتي تمت عن طريق آلية التعدية والإلحاق.

 إشكالية الدراسة:

سؤال البحث الرئيس متعلق ببيان كنه مصطلح “المسكوت” من الزاوية الاستعمالية الأصولية، ثم ذِكر تقاطعاته مع المصطلحات ذات الصلة.

الدراسات السابقة:

المستقرئ للمكتبة الإسلامية سيعثر على عدة جهود علمية سابقة، تحوم حول بعض مفردات هذا الموضوع، ربما اشتركت تقريبًا في العنوان، لكن الفرق بدا واضحًا في زاوية التناول والدراسة. ومن أبرز الدراسات السابقة:

الدراسة الأولى:

كانت الدراسة الأولى تحت عنوان “السكوت والترك وأثرهما في الاجتهاد”، وهي رسالة أعدت لنيل شهادة الدكتوراه، في كلية الشريعة بجامعة دمشق، قام بإعدادها الباحث باسل محمود الحافي عام 2005م، بإشراف أ. د. محمد وهبة الزحيلي، أ. د محمد خير هيكل، وبلغ عدد صفحاتها: 577 صفحة.

شملت هذه الرسالة على فصل تمهيدي، وأربعة فصول:

الفصل الأول: الترك والسكوت الصادران عن المشرع، ثم عن مجتهدي السلف الصالح.

الفصل الثاني: المتروك أو المسكوت عن بيانه بين التأصيل الشرعي والتبديع.

الفصل الثالث: أثر قاعدة السكوت في مشروعية الاجتهاد.

الفصل الرابع: مسائل تطبيقية تتعلق بقاعدة السكوت والترك.

الرسالة تميزت بجهد علمي ملحوظ، ولكن لا بد من بيان بعض النقاط المتعلق بها:

  • قد وسع الباحث معنى السكت، فقد شمل في تعريفه للسكت سكوت السلف الصالح.
  • لم يُبين الباحث الفرق بين السكت، وما يشتبه به من المصطلحات ذات الصلة، كالالتزام.
  • فَصَّل في سكوت المشرع وبيانه حكمه الشرعي إلى: السكوت في علم العقيدة، والسكوت في العبادات، والسكوت في أحكام الأعيان… وأظن أن من الأفضل إعطاء قاعدة عامة لمعرفة حكم المسكوت، وبالتالي تُعرف أحكام تلك المسكوت منها بشكل آلي.

الدراسة الثانية:

أما الدراسة الثانية فعنوانها: “السكوت وأثره على الأحكام في الفقه الإسلامي”، للدكتور رمزي محمد علي دراز، نشرت عام 2004، وبلغ عدد صفحاتها: 417 صفحة.

شمل هذا البحث على فصل تمهيدي، وبابين:

الفصل التمهيدي: التكييف الفقهي لقاعدة: لا يُنسب إلى ساكت قول..

الباب الأول: التعريف بالسكوت، والتمييز بينه وبين ما يشتبه به.

الفصل الأول: تعريف السكوت وبيان عناصره:

الفصل الثاني: التمييز بين السكوت وما يشتبه به.

الباب الثاني: حكم السكوت بمعنى وصفه الشرعي:

الفصل الأول: حكم السكوت.

الفصل الثاني: حكم السكوت بمعنى الأثر المترتب عليه:

وأرصد أهم الملاحظات:

  • اقتصر الباحث – كما بيَّن في مقدمة بحثه- على شرح القاعدة الأصولية: تحليلًا وبيانًا، وجعلها محور الدراسة، وهو ما يفترق عن البحث الحالي
  • جاء تعريف السكوت منسجمًا مع المحور الذي اختاره الباحث، وهو: موقف سلبي لا يدل على الإرادة إلا عند الحاجة.
  • عرَّف الساكت بأنه الشخص الذي يلزم الصمت حيال أمر معين، وهذا دليل آخر على أن المراد به سكوت المكلف فقط، وهو عكس اتجاه البحث التي بين أيدينا؛ لذا لا داعي للكلام عن بقية الرسالة؛ إذ خطتها توضح اتجاه الباحث البعيد عن اتجاه البحث الذي نحن في صدده.

الدراسة الثالثة:

كانت الدراسة الثالثة تحت عنوان “السكوت ودلالته على الأحكام الشرعية”، للدكتور رمضان علي السيد الشرنباصي، وبلغ عدد صفحاتها: 288 صفحة.

شملَ هذا الكتاب على ثلاثة أقسام، وخاتمة:

يحتوي القسم الأول على:

دلالة السكوت على الأحكام في السنة. حكم الأشياء المسكوت عنها.
الإجماع السكوتي. المسكوت وأثره في العرف.

شمل القسم الثاني على:

السكوت والتعبير عن الإرادة السكوت والإجازة
السكوت والإسقاط السكوت والصلح
السكوت الذي يُعتبر تدليساً السكوت والوديعة
السكوت والشفعة السكوت والقرعة
السكوت والشاهد

تميز الكتاب بجهد علمي ملحوظ، ولكن لا بد من بيان بعض النقاط المتعلق بها:

  • جعل المؤلف السكوت مشتملًا على سكوت المشرع، وسكوت المكلف.
  • فصل كثيراً في سكوت النبي r.
  • لم يميز بين المسكوت وما يتشابه معه، كدلالة الالتزام.
  • فصَّل كثيراً في سكوت المكلف، من حيث: كونه سكوتًا واجبًا أو محظورًا، وسكوت الشاهد..
  • أخيراً: الزاوية التي انطلق منها في المسكوت غير الزاوية الموجودة في ثنايا هذا البحث.

محددات البحث:

لا بد من الإشارة إلى تحديد نوع “المسكوت” الذي سينصب الجهد عليه في هذا البحث. إن المفهوم الذي سأركز عليه في هذا البحث هو “السكوت التشريعي”؛ أي: سكوت المشرِّع، وهو الصادر مِن الله تعالى، ويدخل فيه سكوتُ رسولهِ محمدٍ عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله U أمرنا باتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وهذا ما بيَّنَتْه الآية الكريمة: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7]. أما سكوت غيْرِ المشرِّع، كالمكلفين، فهو خارج عن مجال دائرة البحث.

خُطة البحث:

قسم الباحث موضوع الدراسة إلى مبحثين، وسيتناول الباحث في المبحث الأول تعريف المسكوت في اللغة، وفي الاصطلاح، ومن ثَم يشرح مفردات التعريف الاصطلاحي، ويعطف على ذلك تعريف العفو، وتعريف دلالة الالتزام، وتعريف بيان الضرورة، مع الإشارة إلى صلة هذه المصطلحات بعنوان البحث، لتكون خاتمة هذا المبحث بذكرٍ موجز لأنواع المسكوت.

وفي المبحث الثاني سيسلط الضوء على شمولية النص الشرعي لأحكام المسكوت، مع بيان الأدلة على ذلك الشمول، مع ذكر عينة من أقوال الصحابة في تقريرهم لهذا الأصل، ومبينًا أيضًا المقدار التقريبي للوقائع المسكوت عنها، مع مناقشة رأي الباقلاني حول خلو الواقعة عن حكم لله فيها، لنصل بعد ذلك إلى الخاتمة ونتائج البحث.

 

 

المبحث الأول: تعريف المسكوت.

سأتناول في هذا المبحث التعريف اللغوي، إضافة إلى التعريف الاصطلاحي للـ: (المسكوت)، ومن ثَم أشرع بتعريف بقية المصطلحات المشابهة للمسكوت، وهي: (العفو، دلالة الالتزام، بيان الضرورة)، وأختم هذا المبحث بذكر أنواع المسكوت.

المطلب الأول: تعريف المسكوت.

التعريف اللغوي: المسكوت اسم المفعول من سَكَتَ، ويُقصد به ما وقع عليه السكت، ولمعرفة معنى المسكوت يتعين علينا تعريف السكت.

تعريف السكت:

السين والكاف والتاء، يدلان على خلاف الكلام([2])، وسَكَتَ، يَسكُتُ سُكوتًا وسَكْتًا، إذا قطع الكلام([3])، والسُّكوت: ترك التكلم مع القدرة عليه([4])، فهو مختص بترك الكلام([5]).

ورَجُلٌ سَكْتٌ: قليلُ الكلامِ، فإذا تكلم أحسن([6]).

ورجل سِكِّيتٌ وسَاكُوت؛ أي: كثيْر السكوت([7]) وصَموت([8])، وبه سُكَات: إذا كان طويل السكوت مِن عِلةٍ؛ شربةٍ أو دواء([9]). وتأتي سَكَت (مجازاً([10])) بمعنى: سَكَن، وفَتَر([11])؛ بسبب كون السكوت ضربًا من السكون([12])؛ ولذلك استُعيْر له في قول الله U: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: 154]. وضَربْتُه حتى أسْكت؛ أي: انقطع ولم يتكلم ([13]).

وتأتي سكت أيضاً بمعنى مات ([14])، وجاء في حديث ماعز ([15]): “فرميناه بجَلاميد([16]) الحَرَّة([17]) حتى سكت؛ أي: سكن ومات([18]).

من خلال ما سبق، تحصَّل لدينا ثلاثة معانٍ لكلمة سكت؛ الأول: قطع الكلام. والثاني: الفتور. بينما المعنى الثالث: الموت.

المعنى الثاني والثالث ضرب من المجاز، حسب ما نص عليه علماء اللغة، وليس له عِلاقة ببحثنا. أما المعنى الأول فهو على الحقيقة، وهو الذي تربطنا به القرابة، وإن كانت بعيدة، في البحث كما سنبين لاحقًا.

التعريف الاصطلاحي:

إنَّ الفقهاء قد استعملوا في كتبهم عبارة “المسكوت”، وتكررت هذه العبارة مراراً في كتبهم، ولكنْ لم أقع على من عَرَّفَ هذه الكلمة تعريفًا اصطلاحيًّا جامعًا. ومن خلال تتبع واسع لكلمة “المسكوت” في مصادر متنوعة من كتب أصول الفقه، تبين لي بعد هذا الاستقراء النتائج الآتية:

  • قد استعمل الأصوليون كلمة “مسكوت” في العديد من المواضع، ومن أهمها مباحث المنطوق والمفهوم، ولم أجد تعريفًا منهم للمسكوت، ولكن يمكن فهم التعريف نفسه، الذي جاء بالسياق نفسه الموجود في حاشية ابن عابدين، والذي سيذكر بعد قليل([19]).
  • قد استعمل الأصوليون كلمة “مسكوت” أيضًا في أثناء عرضهم لمباحث القياس.. ([20])، ومباحث العفو والمباح([21]).
  • إنَّ التعريفَ الذي ذكره ابن رجب قد اختَلَطَ بتعريفِ العفو، حيث قال المؤلف([22]): “وأما المسكوتُ عنه: فهو ما لم يُذكر حكمُه بتحليل ولا إيجاب ولا تحريم، فيكون معفواً عنه، لا حَرَجَ على فاعله. “.
  • التعريف الثاني المختصر الوارد في كتاب حاشية ابن عابدين أقرب إلى اللغة، وغيْر جامع، وورد عَرَضًا أثناء الحديث عن دلالة المفهوم: “والمفاهيم جمع مفهوم، وهو دلالة اللفظ على مسكوت عنه، وهو قسمان: مفهوم الموافقة، وهو أن يكون المسكوت عنه؛ أي: غيْر المذكور موافقًا للمنطوق؛ أي: المذكور في الحكم([23])“.

وبعد تحليلٍ للاستعمالات السابقة يمكن تعريف السكت بأنه: عدمُ التنصيصِ المباشرِ مِن قِبَل المُشرِّع على الحكم، مِن غيْر وجود التزامٍ بين المسكوتِ والمنصوصِ، ولم يكن السكوتُ للضرورةِ، أو للعفوِ.

شرح التعريف:

المقصود من قيد: “عدم التنصيص” إخراج الوقائع المنصوص على حكمها؛ فهي لا تُعد من قبيل المسكوتات.

المقصود من قيد: “المباشر” إدخال الدلالة غيْر المباشرة على الحكم؛ لأنه لابد لكل واقعة من حكم لله فيها([24])؛ وهذا الحكم يُعرَف بشكل مباشَر من التنصيص عليه من قبل المشرع، أو يُستنبط بشكل غيْر مباشر، كما سيأتي تفصيله في ثنايا الرسالة.

والمُشرِّع” أي مَن له صفة تشريع الأحكام ابتداءً، وهو الله U، ونبيه عليه الصلاة والسلام، ويَخرُج بذلك جميعُ البشر؛ فليس لهم أيُّ صفةٍ تشريعية بعد الوحي، وإنما هم مُبَلِّغون، لا مُشرِّعون.

المقصود من قيد: “مِن غيْر وجود عِلاقة([25]) بين المسكوت والمنصوص” إخراجُ دلالةِ الالتزام، التي يكون فيها المسكوت مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا مع المنصوص، لكن تَمَّ حذفُه للاختصار، وسيأتي تفصيلٌ لذلك قريباً.

والمقصود من قيد: ولم يكنِ السكوتُ للضرورةإخراجُ بيانِ الضرورة، الذي هو من أنواع البيان عند الحنفية، كما سيتبيَّن لنا ذلك لاحقًا.

والمقصود من قيد: “أو للعفوِ إخراجُ المَعْفُوَّات، والتي أَمَرَ النصُّ القرآني، والنصُّ النبوي بعدم السؤال عنها، أو التنقيب على حكمها.

المطلب الثاني: تعريف العفو.

التعريف اللغوي:

العينُ والفاء والحرف المعتل أصلان([26]) يدل أحدهما على ترك الشيءِ، والآخرُ على طلبه([27]). وأصلُ معناه التَّرك، وعليه تدور معانيه، فيُفَسَّرُ في كل مقام بما يناسبه؛ مِن تركِ عقابٍ، وعدم إلزامٍ مثلًا([28]). فالعفو يطلق على التجاوزِ والتجافي عن الذنب، والصفحِ عن الجاني، وتركِ العقاب عليه، وبالتالي فأصله المحو والطمسُ([29])، ومنه قول الله تعالى: ﴿عفا اللهُ عَنْكَ﴾ [التوبة: 43] أي: محا ذنوبك. ومنه حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «تعافوا الحدود فيما بينكم»([30]) أي: تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إليَّ([31]).

والأصلُ تعافوا عن الحدود؛ أيْ: لِيَعْفُ كلٌّ منكم عن صاحبه، إلا أنه حُذِف (عن) وأُوصِلَ الفعل، أو ضُمِّن معنى التَّرْك، فَعُدِّيَ تَعْدِيَتَه([32]).

والعفو مُستعارٌ لِلتَّجَافِي عن الحقِّ وَطَلَبِه، كما في قوله عليه الصلاة والسلام([33]): «قد عَفوتُ عن الخيل والرقيق، فهاتُوا صدقة الرِّقَةِ ([34])»أي: تَركتُ لكم أخذَ زكاتِها، وتجاوزتُ عنه([35]).

ورأى صاحب معجم المقاييس([36]) أنَّ عفوَ الإنسان عن الشيء بمعنى الترك، لا يكون ذلك عن استحقاق؛ لأن النبي قال: «عَفوتُ عنكم عن صدقة الخيل» فليس العفو ها هنا عن استحقاق، ويكون معناه: تَركتُ أنْ أَوجَبْتُ عليكم الصدقة في الخيل.

وَعَفَا الشَّيْءُ كَثُرَ وطال([37])، ومنه قوله تعالى: ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: 95] أَيْ: كَثُرُوا.. وعَفَوْتُ الشَّعْرَ أَعْفُوهُ عَفْواً، وَعَفَيْتُهُ أَعْفِيهِ عَفْيًا؛ تَرَكْتُهُ حتى يَكْثُرَ ويطُول، ومنه قول الرسول: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأعْفُوا اللِّحَى»([38]).

وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «الوقت الأول من الصلاة رِضوانُ الله، والوقتُ الآخِرُ عفوُ الله([39])». قال الإمام الشافعي مُعلِّقًا على هذا الحديث: العفو لا يحتمل إلا معنيين: عفوٌ عن تقصيْر، أو توسعةٌ، والتوسعةُ تُشبِه أن يكون الفضل في غيْرها إذ لم يؤمر بترك ذلك الغيْر الذي وسع في خلافها([40]).

من خلال العرض السابق لثلة من أقول علماء اللغة يمكن القول: إن المعنى المركزي للتعريف اللغوي قائمة على معنى التَّرْكِ، ويُوَزَّعُ هذا المعنى بحسب المقام الذي يناسبه:

فإن كان المقام يدور حول العقوبة، يُصبح المعنى: تَرْكُ العقوبةِ. وإن كان المقام يدور حول الحدود، يُصبح المعنى: ترْكُ رفعِها للنبي. وإن كان المقام يدور حول الصدقات، يُصبح المعنى: تَرْكُ أَخذِها. وإن كان المقام يدور حول الشَّعر، يُصبح المعنى: تَرْكُ قَصِّهِ. وإن كان المقام يدور حول تركِ المؤاخذةِ، يدور المعنى حول التوسعة، كما أشار الإمام الشافعي رحمه الله إلى ذلك.

التعريف الاصطلاحي للعفو:

لا نجد في كتب أصول الفقه مَن أفاض في تفسيْر المعفوات إلا كتاب الموافقات، ومن أجل تعريف العفو تعريفًا دقيقًا لابد مِن حصر جميع ما ورد في هذه المسألة؛ مِن آيات وأحاديث، وتحليلِها، وتحليلِ أقوال المفسرين، وشُرَّاحِ الأحاديث، وبذلك ترتسم كامل الصورة، وتتحدد فيها المعالم.. وسيكون كلامي في المعفوات حول النقاط الآتية:

  • النقطة الأولى: التعريف الاصطلاحي:

هناك تعريفان -مستنبطان من أقوال العلماء- للعفو، وكل تعريف كان من زاوية خاصة، سأعرضهما تباعاً:

التعريف الأول: بعد الاطلاع على ما قاله أئمة التفسيْر، في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا ﴾ [سورة المائدة: 101] تبين لي أن المعفوات: هي المسائل التي تَرَكَ الشارعُ ذِكر حكمِها، وأخفاها عن العباد، واستأثر بعلمِها، ولم يَذكرْها في كتابه، ولم ينص عليها.. ([41])

ويدل على هذا التأويل ما يأتي:

-قول النبي: «ما أَحَلَّ اللهُ في كتابه فهو حلال، وما حَرَّم فهو حرام، وما سَكت عنه فهو عفو، فَاقْبَلوا مِن الله عافيته؛ فإنَّ الله لم يكنْ ليَنْسَى شيئاً، ثم تلا قول الله U: وما كانَ ربُّكَ نَسِيَّاً [سورة مريم: 64] ([42])».

-وقال عُبيد بنُ عُمَيْر: ” إنَّ اللهَ أَحَلَّ وَحَرَّم، فما أَحَل فاستحِلوه، وما حَرَّم فاجتنبوه، وتَرك بين ذلك أشياء لم يُحِلَّها ولم يُحَرِّمْها، فذلك عفوٌ مِن الله عَفَاه”([43]).

التعريف الثاني: جعل بعضُ المفسرين والفقهاء العفو يدور حول تركِ المؤاخذةِ والتوسعة، ورفع الحرج، وبالتالي هو مِن باب الإباحة.

-قال الشاطبي: “إن الأحكام الخمسة إنما تتعلق بأفعال المكلفين مع القصد إلى الفعل، وأما دون ذلك فلا، وإذا لم يتعلق بها حكمٌ منها مع وجدانه ممن شأنه أن تتعلق به، فهو معنى العفو المتكلم فيه؛ أي: لا مؤآخذة به”([44]).

-وجاء في إعلام الموقعين: ” ومعنى عفا الله عنها: لم يُؤاخِذ بها”([45]).

-وجاء في جامع العلوم والحكم([46]): ” وأما المسكوتُ عنه، فهو ما لم يُذكرْ حكمُه بتحليل ولا إيجاب ولا تحريم، فيكون معفواً عنه، لا حرج على فاعله…… المعفوّ عنه: ما تُرك ذِكرُه فلم يُحرَّم ولم يُحلَّل…. فدل على أن الأشياء على الإباحة….. وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان؛ يعني أنه سكت عن ذِكْرِها؛ رحمة بعباده، ورِفقاً، حيث لم يُحرِّمها عليهم حتى يعاقبَهم على فِعْلها، ولم يُوجبْها عليهم حتى يعاقبَهم على تركِها، بل جَعَلها عفواً؛ فإنْ فَعَلوها فلا حَرج عليهم، وإنْ تركوها فكذلك”.

– وجاء في أضواء البيان([47]): ” وليس ذلك التَّرك جهلًا وتجهيلًا لحكمه، بل إثباتٌ لحكم العفو، وهي الإباحةُ العامة، ورفعُ الحرجِ عن فاعله”.

– وجاء في كتاب تيسيْر الكريم الرحمن([48]): “عفا الله عنها؛ أي: سكت معافيًا لعباده منها، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه، وعفا عنه”.

– وقال صاحب الفتح([49]): “وفي الحديث([50]) أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة حتى يَرِدَ الشرع بخلاف ذلك”.

– وجاء في التحفة([51]): ” (وما سكت) أي: الكتاب (عنه) أي: عن بيانه، أو وما أَعرضَ اللهُ عن بيان تحريمه وتحليله؛ رحمة من غير نسيان (فهو مما عفا عنه)؛ أي: عن استعماله، وأباح في أَكلِه، وفيه أن الأصل في الأشياء الإباحة”.

يظهر من خلال ما سبق أن التعريفين ينطلقان من زاويتين مغايرتين، وليس بينهما أي تعارض.. وكأن أصحاب التعريف الأول وقفوا في منتصف الطريق، وجاء أصحاب الفريق الثاني وأكملوا الرحلة. فالفريق الأول تكلم عن المسائل التي تَرَكَ الشارعُ ذِكر حكمِها، وأخفاها عن العباد، وجاء الفريق الثاني وأكمل الطريق وتكلم عن حكم المسائل التي تَرك الشارعُ ذِكر حكمِها، وأخفاها عن العباد… وبالتالي: التفسيْران يؤولان إلى معنى واحد، ولا تعارض بينهما.

  • النقطة الثانية: سبب عدم التنصيص على المعفوات:

لمْ ينص عليها الشارع، بل سكت.. فلماذا لمْ ينص.؟ وما نوع هذا السكوت؟

إن عدم التنصيص هذا له دلالة خاصة، وهو أنه من باب الرخصة والتوسعة على العباد، وليس من باب النسيان، بخلاف “المسكوت” الذي يدور البحث حوله، فليس عدم التنصيص فيه من باب الترخص، إنما من باب ردِّ الأدلة بعضها إلى بعض، كالرد للقياس مثلًا. جاء في جامع العلوم والحكم: “وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان؛ يعني أنه سكت عن ذِكْرِها؛ رحمة بعباده، ورِفقًا، حيث لم يُحرِّمها عليهم حتى يعاقبَهم على فِعْلها، ولم يُوجبْها عليهم حتى يعاقبَهم على تركِها، بل جَعَلها عفوًا”([52]). وجاء في أضواء البيان([53]): ” وليس ذلك التَّرك جهلاً وتجهيلاً لحكمه، بل إثباتٌ لحكم العفو، وهي الإباحةُ العامة، ورفعُ الحرجِ عن فاعله”.

  • النقطة الثالثة: السؤال عن حكمها.

أما السؤال عن المعفوات، فبناء على الآية السابقة يجب عدم السؤال والبحث عنها؛ ولا يستحسن التنقيب عنها؛ لعدم حاجة العباد إليها، ولعله إنْ ظَهَر لنا حكمُ اللهِ U فيها ساءَنا ذلك، وشَقَّ علينا سماعُه، بل ربما وقَعْنا في الضرر إِنْ أُبدِيَتْ لنا([54]).

قال رسول الله:

«إنَّ الله فَرض فرائضَ فلا تُضيِّعوها، ونَهى عن أشياءَ فلا تَنْتَهِكوها، وحَدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وغفَل عن أشياء من غيْر نسيان، فلا تبحثوا عنها»([55]).

– «إنَّ أعظمَ المسلمين جُرْماً مَن سألَ عن شيء لم يُحرَّم فحُرِّم مِن أجلِ مسألته»([56]).

وفي رواية: «رَجلٌ سأل عن شيء ونَقَّر عنه» ([57]).

  • النقطة الرابعة: حكم المعفوات بعد السؤال عنها:

قد ورد النهي في السؤال عن المعفوات، لكن إذا خولف النهي، وتم السؤال عن المعفوات فما هو حكم الشارع في ذلك..؟ قد تضافرت أقوال العلماء، وانصبتْ في الإباحة العامة، ومن هذه الأقوال:

جاء في التحفة([58]): ” (وما سكت) أي: الكتاب (عنه) أي: عن بيانه، أو وما أَعرضَ اللهُ عن بيان تحريمه وتحليله؛ رحمة من غير نسيان (فهو مما عفا عنه) أي: عن استعماله، وأباح في أَكلِه، وفيه أن الأصل في الأشياء الإباحة”.

قال ابن رجب الحنبلي: وأما المسكوتُ عنه، فهو ما لم يُذكرْ حكمُه بتحليل ولا إيجاب ولا تحريم، فيكون معفواً عنه، لا حرج على فاعله…… المعفوّ عنه: ما تُرك ذِكرُه فلم يُحرَّم ولم يُحلَّل…. فدل على أن الأشياء على الإباحة([59]).

وجاء في كتاب تيسيْر الكريم الرحمن([60]): “عفا الله عنها؛ أي: سكت معافياً لعباده منها، فكل ما سكت الله عنه فهو مما أباحه، وعفا عنه. “.

  • النقطة الخامسة: أنواع المعفوات.

وهذه المسائل المعفو عنها قد تكون أحكاماً شرعية، وقد تكون متعلقة بالقدَر([61]).

مثال القَدَرية: حقائق الأنساب([62])، كقول عبد الله بن حُذافة: مَن أبي يا رسول الله.. ([63])؟

وكذلك الرجلُ الذي سأل الرسول قائلًا: أين مَدْخلي يا رسول الله.؟ فقال: «النار» ([64]).

وفي رواية: في الجنةِ أنا..؟ فقال: «في النار» ([65]).

فلم يَكن للرَّجل حاجةٌ إلى كشفِ عيبِه في كونه من أهل النار([66])؛ ولذلك سكت الشارع عنها، وجاء النهي عن سؤالها؛ لئلا يكن في الجواب ما يكرهه السائل ويسوؤه. ([67]).

مثال الشرعية: قول النبي وقد سُئل عن الحج: أَكُلَّ عام..؟ فقال: «لو قلتُ: نعم، لوَجَبتْ ولما استَطعتم.. ذَروني ما تركتُكم؛ فإنما هَلَك مَن كان قبلَكم بكثرة سؤالِهم، واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيء فدعوه([68]). »

الخلاصة:

الأمر الذي يتشابه فيه المعفو والمسكوت، هو عدم التنصيص.

الأمر الذي يختلفان فيه هو أن عدم التنصيص له دلالة خاصة في كل منهما، مختلفة عن الآخر.

وبعبارة أخرى: إن كلَّ عفوٍ مسكوتٌ عنه، وليس كلُّ مسكوتٍ عفوًا، والفرق بينهما هو أن المسكوت ليس من باب الترخص، إنما من باب ردِّ الأدلة بعضها إلى بعض، كالرد للقياس، والدلالة. أما العفو فإن المسكوت فيه من باب الإذن والسماح فيه.

المطلب الثالث: تعريف دلالة الالتزام.

دلالة الالتزام: هي دلالة اللفظ على معنىً غيْرِ موضوعٍ له، خارجٍ عن مسماه، لكن هذا المعنى من لوازمه([69]).

ودلالة الإشارة([70]) عند الحنفية تُقارب دلالة الالتزام عند الجمهور([71]).

ومن أمثلة دلالة الالتزام، قوله تعالى: ﴿وَعلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوف﴾ [البقرة: 233] قد سيقت هذه الآية لإيجاب النفقة على الآباء، ولكن عَبَّر تعالى بقوله: وعلى المولود له.. ونَسب الولد إليه بحرف اللام، ففيه إشارة إلى اختصاص الولد بالوالد نسبًا.

الفرق بين الالتزام والمفهوم:

اختلف الأصوليون في تصنيف دلالة الالتزام([72])، فمنهم من جعلوا دلالة الالتزام من باب المنطوق([73]) غيْر الصريح([74])، والبعض الآخر جعلها من باب المفهوم ([75]). ويبدو أن سبب إدراج البعض لدلالة الالتزام تحت المفهوم هو أنه مسكوت عنه، وكأنهم ساوَوا بين الالتزام والمفهوم! ولبيان هذا اللبس لابد من ذكر نقطتين:

النقطة الأولى: إن وجود المسكوت عامل مشترك بين الالتزام والمفهوم، لكن من الواضح أن المسكوت الذي في الالتزام، ليس كوزْنِ المسكوت الذي في المفهوم، ويجب أن يكون مع المنطوق؛ فهو في حكم الملفوظ([76])؛ لأنه يكاد أن ينطق به، لكن حُذِف للاختصار. فعندما يُقال: “زيد يصلي” يلزم من هذه العبارة أنه متوضئ. وعندما يُقال: “اسأل القرية. ” أي: اِسأل أهل القرية. فهل (الوضوء)، و (أهل) مسكوت عنه، أم لا..؟

هو يشبه المسكوت بأنه لم يُنطق ولم يُذكر، لكن ما ذُكِرَ لا يتحقق إلا به، وبالتالي المسكوت الذي في الالتزام له عِلاقة وطيدةٌ بالالتزام.

النقطة الثانية: إن المسكوت في اللزوم يلزم من ذات اللفظ، ولا ينفك عنه، فقول الله U: ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ.. ﴾ يلزم أن الولدَ له عن طريق اللام المفيدة للاختصاص.

وقوله U: ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ﴾ [البقرة: 187] يلزم أن يقع الصوم في وقت كان الرجل فيه جنباً.

أما المسكوت في المفهوم فإنه لا يلزم من ذات اللفظ، ولا يرتبط به، أو يلزم من غيْر ذات اللفظ، كالسياق.

فلفظ (أف) ليس له علاقة بالضرب، ولا يوجد رابط بينهما، وعدم إيذاء الأبوين لم يلزم من ذات اللفظ، بل لزم ذلك من السياق، والذي يأمر ببر الأبوين، وطاعتهما.

والمعلوفة لا علاقة بينها وبين غيْر المعلوفة، ولا يلزم بذات اللفظ أن يكون في غيْر سائمة الغنم زكاة.

نعم يوجد وجه شبه بين الالتزام والمفهوم، وهو أنه يوجد شيء مسكوت فيهما، لكن كما ذَكرتُ المسكوت عنه لا يرتبط من ذات اللفظ بالمنطوق في المفهوم، أما بالالتزام فهو يرتبط من ذات اللفظ، وتوجد علاقة وطيدة بينهما. وبالتالي: فليس كلُّ سكوتٍ دلالةَ التِزامٍ.

وبسبب الخلط بين الالتزام والمسكوت وقع الاختلاف عند بعض الفقهاء في فهم بعض المسائل، ومنها: لعاب الكلب. فقد روي عن رسول الله أنه قال: «إذا ولغَ الكلبُ في الإناءِ فاغسلوه سبع مرات» ([77]).

ونُقل عن الإمام مالك ترك العمل بالحديث القاضي بنجاسة لعاب الكلب، وقال: ” قد جاء هذا الحديث وما أدري ما حقيقته”([78]). وقال: ” يُؤكَل صيدُه، فكيف يُكره لعابُه” ([79])!؟ ويقصد مالك بذلك قوله تعالى: ﴿يسألونَكَ ماذا أُحِلَّ لهم قُلْ أُحلَّ لكم الطيباتُ وما علَّمْتُم مِن الجوارحِ مُكَلِّبيْنَ.. ﴾ [المائدة: 4]. ويقصد أيضًا قول النبي: «إذا أَرسلْتَ كلبَكَ المعلَّمَ فَقَتَلَ، فَكُلْ»([80]).

فالآية، والحديث ـ حسب فهمهم ـ لـمَّا أجازتا أكل لحم الصيد الذي التقطه الكلب بفمه، مِن غيْر غسل، دلتا على طهارة فمه، من باب الالتزام.! أو بعبارة أخرى: سَكَتَ الشارع عن غسل الصيد، الذي التقطه الكلب بفمه، فلَزِمَ منه أنَّ فمَهُ طاهرٌ! هكذا يفهم من السادة المالكية.

والجواب: إنَّ الآية والحديث سِيقتا لبيان أنَّ قَتْلَ كَلْبِ الصيدِ ذَكاتُه، وليس فيهما إثباتُ نجاسةٍ، ولا نفيُها([81]). وبالتالي هذا سكوتٌ وليس التزامًا، وفَرْقٌ بيْن الالتزامِ والسكوت.

ومن الواضح أن الشارع اشترط في الصيد بالآلة أن تجرحه، وتسيل دمه، ولم تأمر بغسله، بل سكتتْ عنه، فلا يُعد هذا السكوت دليلًا على طهارة دم الصيد.

المطلب الرابع: بيان الضرورة.

تنقسم الدلالة الوضعية عند الحنفية إلى قسمين لفظية وغيْر لفظية، وتُسمى الدلالة غيْر اللفظية: بيان الضرورة([82]).

وبيان الضرورة: هو نوع من البيان يقع بما لم يُوضع له في الأصل([83]). وسُمِّي هذا القسم بهذا الاسم؛ لأن الموضوع للبيان في الأصل هو النطق، وهذا يقع بما هو ضِدُّه، وهو السكوت؛ لأجل الضرورة الآتي تفصيلها([84]).

وبيان الضرورة على أربعة أقسام([85])، وجميع هذه الأقسام دلالة سكوت مُلحق باللفظية في الاعتبار([86]).

القسم الأول: هو في حكم المنطوق، ويُنَزَّل مَنْزِلة المنصوص عليه في البيان؛ أي: لازم مسكوت عنه لملزوم مذكور. ومثاله: ﴿وورثَهُ أبواهُ فلأمِّه الثُّلُث﴾ [النساء: 11]. فالله U لما أضاف الميْراث إليهما في صدر الكلام، ثُم بَيَّن نصيب الأم، كان ذلك بيانًا أن للأب ما بقي، فلا يحصل هذا البيان بترك التنصيص على نصيب الأب، بل بدلالة صدر الكلام يَصيْر نصيبُ الأبِ كالمنصوص عليه..

القسم الثاني: ما يكون بيانًا بدلالة حال المتكلم؛ أي: دلالة حال الساكت الذي وظيفته البيان مطلقًا، أو في تلك الحادثة؛ بسبب سكوته عند الحاجة إلى البيان. ومثاله: سكوت النبي عند أمرٍ يشاهده؛ مِن قولٍ أو فعل، ليس مُعْتَقَدَ كافرٍ، ولا سبق تحريْمُه، كالمعاملات التي كان الناس يتعاملونَها، والمآكل والمشارب التي كانوا يتعاطونها، ولم يقع منه عليه الصلاة والسلام نهيٌ عنها، ولا نكيْرٌ على فاعليها، فإنه دليل على جواز ذلك في الشرع؛ لأنه لا يَجوز عليه أن يُقِرَّ الناسَ على مُنْكَر؛ فهو داعٍ الخَلْقَ إلى الحق، ووصَفَه اللهُ بالقيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقال: ﴿يَأمُرُهُم بالمَعْروفِ ويَنهَاهُمْ عَن المُنْكَرِ﴾ [الأعراف: 157].

ومن هذا القسم سكوت البكر عند استئذان الولي في تزويجها مِن رجل معين؛ فإن سكوتها يُفيد الإجازة بدلالة حالها، وهي الحياء؛ لأن الحياءَ يَمْنعها من التصريح بالإجازة، لما فيه مِن إظهار الرغبة في الرجال والوقاحة.

القسم الثالث: ما يكون بيانًا بضرورة دفع الغُرور؛ أي: ما اعتُبِرَ مِن سكوت الساكت دلالةً، كالنطق؛ لدفع التغرير؛ أي: لضرورة دفع وقوع الناس في الغُرور. ومثاله: دلالة سكوت الشفيع عن طلب الشفعة بعد عِلمِه بالبيع على إسقاطها؛ لضرورة دفع الغرور عن المشتري؛ فإنه يحتاج إلى التصرف في الدار المبيعة. فلو لم يُجْعَل سكوتُ الشفيعِ إسقاطًا لها لنقض البيع لو وقع ظنًّا من المالك أن لا غرض للشفيع فيها، فلا جرم أن جُعل سكوتُه كالتنصيص على إسقاطها.

القسم الرابع: الثابت ضرورة الطول فيما تُعُورِفَ فيه؛ أي: دلالة السكوت على تَعْييْنِ معدودٍ تُعُورِفَ حذفُه، ضرورةَ طُولِ الكلامِ بذِكره، مع وجود معطوفٍ على عدده يُفيده عُرفًا. ومثاله قول القائل: “لفلانٍ عَليَّ مئةٌ ودرهمٌ، أو مئةٌ ودينارٌ. ” فالسكوت عن مُمَيِّز المئةِ في هذا القول يَدل عُرفًا على أنه في الأول من الدراهم، وفي الثاني من الدنانيْر.

من الواضح أن بيان الضرورة عند الحنفية فيه شبه كبيْر بدلالة الالتزام، ومن أوجه الشبه وجودُ شيءٍ مسكوتٌ عنه. وبالتالي يُمكن القول: إنَّ كلَّ بيانَ ضرورةٍ مسكوتٌ، وليس العكس.

وزيادة في التفصيل: يمكن اعتبار النوع الأول من بيان الضرورة من “دلالة الالتزام” إذ لا فرق بينهما؛ فكلاهما يتضمن مسكوتًا عنه، وهذا المسكوتُ شبيهٌ أيضًا بالمسكوت الذي في دلالة الالتزام، والذي حُذِف للاختصار، ولا يستقيم الكلام إلا به، وعلاقتُه وطيدةٌ بالمنصوص. وأما النوع الثاني والثالث فتحكمه قاعدة: “السكوت في معرض الحاجة إلى بيان بيان”. بينما يندرج النوع الأخير تحت المقتضى المحذوف الذي لا يستقيم الكلام بدونه([87]).

 

المطلب الخامس: أنواع المسكوت

استعرضْنا في المبحث السابق تعريف المسكوت، والفرق بينه وبيْن بقية المصطلحات ذات الصلة، ولعلنا في هذا المطلب نُبيِّن أقسام المسكوت، والذي ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: السكوت عن مسألة يُعرف حكمُها بواسطة دلالة اللفظ.

إنَّ الحاكمية المطلقة في هذا الكون مرجعها إلى الله U وحده؛ فهو الخالق، وهو القادر على كل شيء: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾ [الأنعام: 57]. والله U أنزل القرآن الكريم ليكون هذا الكتاب المعجِز مبيِّنًا لأحكام الله U، وأَرسلَ رسوله ليكون مبلِّغًا لأحكام الله U، وأوحى إليه أحكامًا أخرى من غيْر أن ينص عليها في القرآن، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 4]، وبالتالي وجد لدينا مصدران أساسيان لأخذ التشريع منهما -وحي متلو، ووحي غير متلو- وهما القرآن الكريم، والسنة النبوية. وكلا المصدرين كانا بلغة القوم الذين قُصدوا بحمل رسالة الإسلام، قال تعالى: ﴿إنّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَربيًّا﴾ [يوسف: 2]، ﴿وَكَذَلِكَ أَنزلناهُ قُرآنًا عَربيًّا﴾ [طه: 113]، وغيْرها من النصوص التي أشارت إلى عربية القرآن الكريم. ولذلك لا بد لفهم هذين المصدرين من التشبع باللغة العربية، وعلى قدر التضلُّعِ من هذه اللغة يكون الفهم أقرب للصواب([88]). فمعرفة أساليب اللغة العربية، وطرق دلالة الألفاظ على معانيها المرادة من الأشياء الأساسية لفهم نصوص الكتاب والسنة. وخصوبة الألفاظ تدل على أحكام الوقائع بنوعيها؛ الوقائع المنصوصة، والأخرى المسكوت عليها، وقد أفاض فقهاء الشريعة الإسلامية في بيان الدلالات وتعريفها، وتصنيفها حسب قوتها. وانقسموا في تصنيف الدلالات إلى طريقتين؛ طريقة الحنفية، وطريقة الجمهور، والطريقتان استفاض الأصوليون في بيانها.

القسم الثاني: السكوت عن مسألة يُعرف حكمها بغيْر اللفظ.

تنوعت أساليب الشريعة السمحة في بيان أحكام الله U فمنها الأسلوب المعتمِد على دلالة الألفاظ، والذي أشرنا له بشكل موجز في القسم الأول، ومنها الأساليب التي تشيْر إلى حكم الشارع من غيْر اعتماد على اللفظ، ومن هذه الأساليب: القياس، فعن طريق معرفة علة حكم الشارع -في مسألة ما- يُمكن أن نعرف حكم مسألة أخرى غيْرِ منصوص على حكمها بحيث تنطبق عليها العلة نفسها.

 

المبحث الثاني: شمول النص للمسكوت.

سأتناول في هذا المبحث بيان شمول النص للوقائع المسكوت عنها، ونبذة من أقوال الصحابة المبينة لهذا الشمول، إضافة إلى بيان مقدار المسكوت بالنسبة إلى المنصوصات، ورأي العلماء في هذه الفكرة.

المطلب الأول: الأدلة الناهضة بشمول النص للوقائع المسكوت عنها.

لما كانت الشريعة الإسلامية خاتمة الرسالات السماوية، وكان النبي خاتِـَم النبيين كان لابد من تمكين خصائص الشمولية في الشريعة الإسلامية، بحيث تشمل على حكمٍ لكل شيء إلى قيام الساعة. وبالتالي يجد البشرُ حكمَ الله تعالى في كل ما يطرأ عليهم من جديد، إضافة إلى حكمٍ للأشياء التي كانت تتكرر منذ نزول التشريع. وهذه الشمولية تضمن بقاء الشريعة واستمرارها في كل الأزمنة والأمكنة. وظهرت خاصية الشمولية في أسمى صورها عندما أنزل الله القرآن الكريم، ذلك الكتاب الخالد، الذي وصفه الرسولُ بقوله: «كتابُ الله هو حبلُ الله، مَن اتَّبَعه كان على الهدى، ومَن تَرَكَه كان على ضلالة»([89]).

وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله ‍‌‌قال: «إنها ستكون فتنة. » فقال علي: ما المخرج منها يا رسول الله.؟

قال النبي: «كتابُ الله؛ فيه نبأُ ما كان قبلكم، وخبَرُ ما بعدكم، وحكمُ ما بينكم، وهو الفصلُ ليس بالهزلِ، مَن تَرَكَه مِن جبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، ومَن ابتغى الهُدَى في غيْره أضلَّهُ اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتين، وهو الذكرُ الحكيم، وهو الصراطُ المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواءُ، ولا تَلتَبِس به الألسنةُ، ولا يَشبَع منه العلماءُ، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرَّدِّ، ولا تنقضِي عجائِبُه، هو الذي لم تنتهِ الجنُّ إذ سمِعَتْه حتى قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ.. ﴾ [الجن: 2] مَن قال به صَدَقَ، ومَن عمل به أُجِر، ومَن حَكَم به عدل، ومن دعا إليه هَدَى إلى صراطٍ مستقيم»([90]). فالرسول عليه الصلاة والسلام أشار إلى المَخرَج الحق عندما تُخيِّم الفتَن؛ وما ذلك إلا لأنَّ التمسكَ بهذا الكتابِ هو الفرجُ مِن كلِّ عُسْرٍ، وهو المَخرَجُ مِن كل ضيق([91]).

ومن ثَم قد ثبتَ بنص الرسول أنَّ الشريعةَ الإسلامية، والتي دستورها القرآن ذاتُ خصائصَ تجعلها شاملةً لكل ما يمس العباد من أحكام، فهي مستمرة إلى أن يرث اللهُ الأرضَ، وَمن عليها.. ومن ثَم لم يُترك الإنسانُ يَتخبط في بحر من الحَيْرة: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: 36].

وقد أشار اللهُ U إلى شمولية الشريعة عندما قال: ﴿ونَزَّلْنَا عَليكَ الكتابَ تبِـْياناً لِكُلِّ شيء﴾ [النحل: 89]، وقال أيضًا: ﴿مَا فَرَّطْنَا في الكِتابِ مِنْ شَيءٍ﴾ [الأنعام: 38]، والكتاب في القول الأرجح عند علماء التفسير([92]) هو القرآن الكريم، وليس المقصود بهذه الآية أن القرآن فيه كل شيء على وجه التفصيل؛ لأنَّ ظاهر القرآن خالٍ عن دقائق الهندسة، والحساب، وتفاريع الحيض، والوصايا.. بل إن معنى الآية: ما تركنا مِن شيء إلا وقد بيناه لكم؛ إما تصريحًا، وإما تلميحًا([93]).

فالله U بيَّن بهذه الآية الكريمة أنه U مراعٍ لمصالح عباده، وظَهَرَتْ هذه المراعاةُ عندما نَصَّ، وبَيَّن اللهُ بشيء من التفصيل بعضَ الأحكامِ التي لا تَتغيَّر مع الزمن، بل هي أحكام باقية؛ كأحكام المواريث، وأحكام الحدود؛ كحد رجم الزاني، وكحد الحرابة.. فأحكام المواريث، والحدود التي ذُكِرتْ، لا تخضع لزمن دون آخر، بل تبقى ثابتة، وتنصيص الله على هذا النوع من الأحكام بسبب كون مَقْدرة الإنسانِ ستقف حائرةً عاجزة -أو ستكون ناقصة- عن معرفة الحكم الصحيح لهذه المسائل.

وفي المقابل لم يُبيِّن اللهُ بنصِّ القرآنِ أحكامَ بعضِ المسائلِ وتفصيلَها، بل اكتفى بذكر الأُسس العامة لها، وفي الوقت نفسه لم يكن عدم التبيين هذا نهائيًّا، بل أَشار الله U إلى حَلِّ هذه النقطة، عندما أَمَرَنا بعَرْض أيِّ مسألة، وردِّها على سنة نبيِّه، وعلى رَدِّها إلى أولي الأمر([94]) الذين مِن وظائفهم الأساسية تبيين حكم الله للعباد.

فصدق خبَر اللهُ U بأنه مَا فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره؛ إما تفصيلًا، وإما تأصيلًا، وقال: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتمَمْتُ علَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: 3]. ومن هنا يتبين لنا أنه لا تخلو حادثة، مهما كان نوعها، إلا ولله فيها حكم([95])؛ إما بطريق مباشر بالتنصيص على حكمها، أو بطريق غيْر مباشر عن طريق معرفة حكمها بالطُّرُق التي أرشد اللهُ عبادَه باتباعها لمعرفة أحكام ما يريدون، وبالتالي تحقق وعدُ الله عندما قال: ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: 26].

 

 

المطلب الثاني: نبذة من أقوال الصحابة والعلماء ومن بعدهم حول المسكوت.

لمس الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من علماء الأمة شمول الشريعة لأحكام العباد، وظهر هذا في أقوالهم، ومن هذه الأقوال:

– قال عمر: حسبُنَا كتابُ اللهِ([96]).

– وقال أبو ذر: لقد تَرَكَنَا رسول الله وما يُحرِّكُ طائرٌ جناحيه في السماءِ إلا ذَكَّرَنا منه عِلمًا([97]). وقال أبو الدرداء: لقد تركنا رسول الله وما في السماءِ طائرٌ يطيْر بجناحيه إلا ذَكَّرَنا منه عِلمًا([98]). جاء في كتاب النهاية([99]): وفي حديث أبي ذر: لقد تركنا رسول الله وما يُحرِّكُ طائرٌ جناحيه في السماءِ إلا ذكرنا منه علمًا.. يعني أنه استوفى بيان الشريعة، وما يُحتاجُ إليه في الدين حتى لم يبق مشكل.. وقيل أراد أنه لم يترك شيئًا إلا بينه.

– وقال الإمام الشافعي: وليس يُؤمَر أحدٌ أن يَحكم بحقٍ إلا وقد عَلِمَ الحقَّ، ولا يكون الحقُّ معلومًا إلا عن اللهِ نَصًّا أو دلالة مِن الله، فقد جَعل الله U الحقَّ في كتابه، ثم سنةُ نبيه، فليس تنْزِل بأحد نازلةٌ إلا والكتابُ يَدُلُّ عليها نصًّا أو جملةً. فإن قال: وما النص والجملة.؟ قيل: النص ما حرم اللهُ U وأَحَلَّ نَصًّا. فإن قيل: فما الجملة.؟ قيل: ما فَرض اللهُ من صلاةٍ وزكاة وحج، فدلَّ رسولُ الله كيفَ الصلاةُ، وعددُها، ووقتُها، والعملُ فيها، وكيف الزكاةُ، وفي أيِّ المالِ هي، وفي أيِّ وقتٍ هي، وكم قدْرُها([100]).

– وقال الشافعي أيضًا: فليستْ تَنْزلُ في أَحدٍ مِن أهل دِينِ اللهِ نازلةٌ إلا وفي كتابِ اللهِ الدليلُ على سبيل الهُدَى فيها([101]).

… من كل النصوص السابقة التي ذُكِرتْ يتبين لنا أنَّ الله تعالى قد تكفل باستمرار هذه الشريعة، وبقائِها إلى قيام الساعة. وشمَّر العلماء بادئين البحث والكشف عن المصادر التي تُساعدهم في الحكم على المسائل المسكوت عنها تفصيلًا، المنصوص على أمثالها بالجملة، وبالتالي كشفوا عن كيفية تحقق معجزة استمرارية هذه الشريعة. وظَهرت براعتهم أكثر في كيفية التعامل مع الوقائع المتجددة المسكوت عنها، والتي لم يَنصَّ الشارع على حكمٍ خاص لها، ومن ثَم أثبتوا حكمًا لكل مسكوت، وكانت هذه مِيزة الشريعة الإسلامية، التي انفردتْ بها عن بقية الشرائع.

المطلب الثالث: مقدار المسكوتات من المنصوصات.

تبين لنا في المطلب الأول من هذا المبحث أن لكل واقعة حكمًا لله تعالى فيها؛ فهذا الأمر من سمات الرسالة الخالدة. ومن الواضح أن نصوص الوحي بشقيه محدودة من حيث الكم، فآيات القرآن ليست قابلة للزيادة، والأحاديث النبوية أيضًا توقفتْ عن الزيادة بعد وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام. بالمقابل نجد التزايد البيِّن للوقائع المستجدة في كل عصر، فلكل زمان عدد لا بأس به من المستجدات تنتظر من يُؤطِّرُها في إطارها الشرعي اللائق بها. ومن هنا يتساءل المرء:

ما مقدار مسكوتات الوقائع من المنصوصات.؟ وهل النصوصُ (غَـ)غُرفة من بحر..؟ وهل لكل واقعة نص.؟

وإذا لم يكن لكل واقعة نص، أفلا يدل هذا على وقوع خلو الواقعة عن حكم لله فيها.؟

إنَّ كون النصوص محدودة، والوقائع غير محدودة.. لا يخفى على كل مضطلع على القرآن والسنة، وملمٍّ بالواقع الذي هو مترامٍ بين أحضانه. وقد نص الفقهاء على المحدودية في النصوص، وعكسها في الوقائع في كتبهم، وسأعرض لعينة من هذه النصوص:

– إذ الوقائع لا حصر لها([102]).

– الوقائع غير متناهية، والنصوص محصورة، والقياس كافل بها([103]).

– النصوص لا تفي بجميع الأحكام لتناهيها؛ وعدم تناهي الأحكام([104]).

– لا يخفى على من شَدَا طرفًا من التحقيق أن مآخذَ الشريعة مضبوطة محصورة، وقواعدَها معدودة محدودة؛ فإنّ مرجعها إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله، والآي المشتملةُ على الأحكام، وبيان الحلال والحرام معلومة، والأخبار المتعلقة بالتكاليف في الشريعة متناهية([105]).

– نحن نعلم قطعًا أنَّ الوقائع التي جرتْ فيها فتاوى علماء الصحابة وأقضيتُهم، تزيد على المنصوصات زيادةً لا يحصرها عَدٌّ، ولا يحويها حدّ؛ فإنهم كانوا قايسين في قريب من مئة سنة، والوقائع تترى([106])، والنفوس إلى البحث طُلَعَةٌ([107]).

– والآيات والأخبار المشتملة على الأحكام نصًّا وظاهرًا، إضافة إلى الأقضية والفتاوى، كغَـُرفة من بحر لا ينْزف([108]). ومَن أنصف من نفسه لم يُشكل عليه إذا نظر في الفتاوى والأقضية أنَّ تسعةَ أعشارها صادرةٌ عن الرأي المحض([109]) والاستنباط، ولا تَعَلُّق لها بالنصوص والظواهر([110]).

يلاحظ أنّ الجويني فقط قد أعطى بالأرقام نسبة المسكوتات من الوقائع إلى المنصوصات، وهي تسعة أعشار، وبغض النظر عن دقة هذا الرقم -إذ يتطلب استقراءً واسعًا- فمعظم العلماء مقرٌّ بأنّ الوقائع غيْر متناهية، والمنصوصات متناهية، بغضِّ النظر عن النسبة بينهما.

ملاحظة:

أنكر ثلة العلماء([111]) -إلا القاضي الباقلاني- خلو الوقائع عن حكم لله فيها، حيث وردتْ عدة نصوص في كتب أصول الفقه تنسب للقاضي الباقلاني تَبنِّيهِ لخلو الوقائع عن حكمٍ لله فيها، فقد جاء في كتاب المنخول([112]):

“المقدمة الثانية: في تقدير خلو واقعة عن حكم الله مع بقاء الشريعة على نظامها، وقد جَوزه القاضي حتى كان يوجبه”. وجاء في كتاب البُرهان([113]): “وأما القول في خلو الواقعة عن حكم الله تعالى فقد اضطرب الأصوليون في جواز ذلك فصار القاضي إلى جواز ذلك وترقي عنه إلى وقوعه فقطع به وقال لا بد أن يقع ذلك” .

وربما كان سبب القرار الذي اتخذه القاضي رحمه الله بناءً على أنَّ النصوصَ محصورة ومحدودة، وكونَ الوقائعِ بعكس ذلك! فقد نُقِل عنه:” فإن مآخذ الأحكام محصورة مضبوطة من الكتاب والسنة والإجماع والوقائع لا تنضبط ولا تتناهى ويستحيل أن يرد ما لا يتناهي إلى ما يتناهي ([114]). وقال([115]): المآخذ محصورة والوقائع لا نهاية لها فلا تستوفيها مسالك محصورة ([116]).

لا بد من مناقشة مختصرة لفكرة القاضي رحمه الله:

أ- إنَّ قول القاضي لا يتفق إلى حد ما مع كلام الله U القائل: ﴿ونَزَّلْنَا عَليكَ الكتابَ تبِـْيانًا لِكُلِّ شيء﴾ [النحل: 89]، ومع قوله: ﴿مَا فَرَّطْنَا في الكِتابِ مِنْ شَيءٍ﴾ [الأنعام: 38].

ب- الشريعة الإسلامية قد كملتْ كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة: 3]، والقول بخلو الوقائع عن حكمٍ للهِ يتنافى مع هذا الكمال للشريعة([117]).

ت- إنَّ كون النصوص متناهية، وكون حوادث العباد غير متناهية.. أمر غير منازع فيه، لكن الشيء غير المقبول هو الخروج بنتيجة عجز النصوص عن استيلاد الأحكام، وعجزها عن الإحاطة بالحوادث غير المتناهية. فنصوص الشارع ليست كبقية النصوص؛ لأنها تتمتع بخصوبة دلالية واضحة في صلاحيتها لكل زمان ومكان.. ولا يمتنع أن يُجعل المتناهي أنواعًا، ويُحكم لكل نوع منه بحكم خاص به، ومن ثَم تدخل الحوادث غير المتناهية تحت تلك الأنواع، وهذا من ميزات الشريعة؛ فالرسول قد مَنَّ اللهُ U عليه بأنْ بَعَثَهُ بجوامع الكَلِم([118])، فهو عليه الصلاة والسلام ينطِق بالكلمة الجامعة، وهي قاعدة عامة، ويندرج تحتها أنواعٌ متنوعة.

ث- إنَّ من أهم الأشياء التي ترد قول القاضي هو الوقوع العملي، فهل يا تُرى وقعتْ حادثة ولم نجد فيها حكماً لله تعالى([119])

الخاتمة:

بعد هذه الجولة الأصولية المتناولة لمسألة المسكوت، من الممكن أن نخلص إلى عدة نتائج نذكرها تباعًا:

  1. استعمل الأصوليون كلمة “مسكوت” في العديد من المواضع، ومن أهم هذه المواضع مباحث المنطوق والمفهوم، ومباحث القياس، ومباحث العفو والمباح.
  2. السكت هو: عدمُ التنصيصِ المباشرِ مِن قِبَل المُشرِّع على الحكم، مِن غيْر وجود التزامٍ بين المسكوتِ والمنصوصِ، ولم يكن السكوتُ للضرورةِ، أو للعفوِ.
  3. هناك تعريفان للعفو، وكل تعريف كان من زاوية خاصة، والتفسيْران يؤولان إلى معنى واحد، ولا تعارض بينهما؛ التعريف الأول: “المسائل التي تَرَكَ الشارعُ ذِكر حكمِها، واستأثر بعلمِها، ولم ينص عليها”. بينما يركز التعريف الثاني حول: “تركِ المؤاخذةِ والتوسعة، ورفع الحرج، والإباحة”.
  4. لا يستحسن التنقيب والسؤال عن المعفوات؛ لعدم حاجة العباد إليها.
  5. قد تضافرت أقوال العلماء في أن حكم المعفوات بعد السؤال عنها الإباحة العامة.
  6. الأمر الذي يتشابه فيه المعفو والمسكوت، هو عدم التنصيص، والأمر الذي يختلفان فيه هو أن عدم التنصيص له دلالة خاصة في كل منهما، مختلفة عن الآخر.
  7. إن وجود المسكوت عامل مشترك بين الالتزام والمفهوم، والمسكوت الذي في الالتزام ليس بمرتبة المسكوت الكائن في المفهوم، ويجب أن يكون مع المنطوق؛ فهو في حكم الملفوظ.
  8. إن المسكوت في اللزوم يلزم من ذات اللفظ، ولا ينفك عنه، أما المسكوت في المفهوم فإنه لا يلزم من ذات اللفظ، ولا يرتبط به، أو يلزم من غيْر ذات اللفظ، كالسياق، وبالتالي: ليس كلُّ سكوتٍ دلالةَ التِزامٍ.
  9. كلّ بيان ضرورةٍ مسكوتٌ، وليس العكس.
  10. إن الشريعة شاملة لأحكام العباد، كما يظهر ذلك من القرآن، والسنة، وأقوال الصحابة، وقد تكفل الله تعالى باستمرار هذه الشريعة، وبقائِها إلى قيام الساعة.
  11. إن المنصوصات متناهية، والوقائع الحادثة لا نهاية لها، وقد استخرج العلماء من المنصوصات أحكامًا للمسكوتات.
  12. أنكر العلماء -إلا القاضي الباقلاني- خلو الوقائع عن حكم لله فيها، والوقوع العملي يفند قول القاضي رحمه الله.

المصادر والمراجع

الإحكام، الآمدي، دار الكتاب العربي، بيروت 1/1404

أساس البلاغة، الزمخشري          مكتبة لبنان، لبنان 1/1996

أصول السرخسي، السرخسي، دار المعرفة، بيروت، 1/ 1418

أصول الفقه، ابن مفلح المقدسي، مكتبة العبيكان، الرياض، 1/1420

إعلام الموقعين، ابن القيم             دار الكتاب العربي، بيروت، 1/1406

الأم، الشافعي، دار قتيبة سوريا 1/1416

البحر المحيط، الزركشي، وزارة الأوقاف الكويت 1/ 1410

تاج العروس، محمد الزبيدي، مطبعة حكومة الكويت، الكويت،1/1387

تحفة الأحوذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت

التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، دار الفكر، دمشق1/1410

التقرير والتحبير، ابن أمير الحاج، دار الكتب العلمية، بيروت،1/1419

تهذيب اللغة، محمد الأزهري، الدار المصرية للتأليف والترجمة، مصر، د. ت

حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، حسن العطار/ الجلال المحلي/ ابن السبكي، المكتبة التجارية الكبْرى، مصر، د. ت

الرسالة، الشافعي، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت

رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، السبكي، عالم الكتب، بيروت، 1/1419

روضة الناظر، ابن قدامة، مكتبة الرشد، الرياض5/1417

شرح الملوكي في التصريف، ابن يعيش، المكتبة العربية        حلب، 1/1393

شرح مختصر الروضة، الطوفي، مؤسسة الرسالة، بيروت،1/ 1407

الصحاح، إسماعيل الجواهري، دار العلم للملايين، بيروت، 4/1990

صحيح ابن حبان بترتيب ابن لبان، ابن لبان، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2/1414

صحيح مسلم بشرح النووي، النووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت،2/1392

العين، الفراهيدي، دار الهجرة، إيران، 1/1405

غريب الحديث، ابن الجوزي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1/1405

الفائق في غريب الحديث                الزمخشري، دار الفكر، 3/1399

فواتح الرحموت على هامش المستصفى، ابن نظام الدين الأنصاري، دار الأرقم، بيروت، د. ت

القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 6/1419

كشف الأسرار، البزدوي، دار الكتاب العربي، بيروت، 3/1417

لسان العرب، ابن منظور              دار الفكر، بيروت، 6/1417

اللمع، الشيرازي، دار الكلم الطيب، بيروت، 1/1416

المحصول، الرازي، جامعة الإمام سعود، الرياض، 1/ 1400

المحيط في اللغة، ابن عباد            عالم الكتب، بيروت، 1/1414

المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ابن بدران الدمشقي، الرسالة، بيروت،2/1401

المدونة، الإمام مالك، دار الكتب العلمية، بيروت  د. ت

المستصفى، الغزالي، دار الأرقم، بيروت، د. ت

المعتمد في أصول الفقه، أبي الحسين البصري، دار الكتب العلمية، بيروت، 1/1403

معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، دار الفكر 1399

المُغرب في ترتيب المُعرِب المطرزي مكتبة لبنان لبنان             1/1999

المنخول، أبو حامد الغزالي             دار الفكر، دمشق2/1400

المنصف، ابن جني، مصطفى البابي الحلبي، مصر 1/1373

ميزان الأصول في نتائج العقول السمرقندي وزارة الأوقاف قطر 3/1418

نشر البنود على مراقي السعود الشنقيطي دار الكتب العلمية بيروت1/1409

نهاية السول، الإسنوي، دار ابن حزم بيروت 1/1420

النهاية في غريب الأثر، ابن الجزري، المكتبة العلمية، بيروت 1399

 

[1] أستاذ مشارك في المقاصد والسياسة الشرعية، جامعة بشاك شهير، تاريخ استلام البحث، 1/9/2023م، وتاريخ قبوله للنشر، 1/10/2023م

([2]) ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، مادة: سكت، (دار الفكر، بيروت، ط1، 1979م).

([3]) يُنظر مادة “سكت” في المصادر التالية: الأزهري، محمد، تهذيب اللغة، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2001م) ؛ ابن عباد، إسماعيل، المحيط في اللغة، (عالم الكتب، بيروت، ط1، 1994)

([4]) يُنظر في مادة سكت في المصادر الآتية: ابن منظور، محمد، لسان العرب، (دار صادر، بيروت، ط3، 1414 ه) الجرجاني، علي، التعريفات، رقم: 778 (دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1983 )؛ الزبيدي، مرتضى، تاج العروس، (وزارة الإرشاد والأنباء، الكويت، ط1، 2001).

([5]) الراغب الأصفهاني، الحسين، مفردات ألفاظ القرآن، مادة: سكت، (دار القلم، الدار الشامية، دمشق، ط1، 2012)

([6]) الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، مادة: سكت. (مؤسس الرسالة، بيروت، ط8، 2005)

([7]) الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مادة: سكت.

([8]) الفراهيدي، كتاب العين، مادة: سكت.

([9]) يُنظر في مادة سكت في المصادر الآتية: الفراهيدي، كتاب العين؛ الزمخشري، محمود، أساس البلاغة، (دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998).

([10]) الزمخشري، أساس البلاغة، مادة: سكت.

([11]) يُنظر في مادة سكت في المصادر الآتية: الفراهيدي، كتاب العين؛ الأزهري؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة؛ ابن منظور، لسان العرب؛ الزبيدي، تاج العروس.

([12]) الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مادة: سكت.

([13]) يُنظر في مادة سكت في: ابن عباد، المحيط في اللغة؛ الزمخشري، أساس البلاغة.

([14]) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مادة: سكت.

([15]) مسلم، كتاب: الحدود. باب: من اعترف على نفسه بالزنى. رقم: 1694

([16]) الجلمود: الصخر. (ابن منظور، لسان العرب، مادة: جلمد. )

([17]) الحَرَّة: الأرض ذات الحجارة السوداء. ابن الأثير الجزري، محمد بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/365، (المكتبة العلمية، بيروت، 1979)

([18]) ابن الجوزي، عبد الرحمن، غريب الحديث، باب: السين مع الكاف، 1/488 (دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405)؛ ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، باب: السين مع الكاف، 2/383

([19]) يُنظر: ابن قدامة، موفق الدين، روضة الناظر: 1 /264 – 265 – 268 – 269 (مكتبة الرشد، الرياض، ط5، 1417)؛ الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى: 1/184 (دار الأرقم، بيروت، د. ت)؛ الرازي، محمد بن عمر، المحصول: 3/14 (جامعة الإمام سعود، الرياض، ط1، 1400)؛ الجويني، عبد الملك، البرهان: 1/298 (دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1997)؛ ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام: 7/325 (دار الآفاق الجديدة، بيروت، د. ت)؛ ابن السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج: 1/369؛ الإحكام، الآمدي: 3/79؛ ابن بدران، عبد القادر، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 1 /275 (الرسالة، بيروت، ط2، 1401)

([20]) يُنظر: ابن قدامة، روضة الناظر: 1/293؛ الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة: 1/89 – 90؛ الغزالي، المستصفى: 1 /302؛ الرازي، المحصول: 5/170؛ الجويني، البرهان: 2 /502؛ ابن السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج: 3 /80؛ ابن بدران، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 1 /318

([21]) يُنظر: الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة: 1 /173؛ الزركشي، المنثور في القواعد: 2 /70؛ السيوطي، الأشباه والنظائر: 1 /60؛ ابن القيم الجوزية، محمد، إعلام الموقعين: 1 /242 (دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1406)

([22]) ابن رجب الحنبلي، عبد الرحمن، جامع العلوم والحكم: 1/282 (مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1997)

([23]) ابن عابدين، حاشية ابن عابدين، مطلب في دلالة المفهوم: 1/110

([24]) والآية التي تشهد لذلك: “مَا فَرَّطْنَا في الكِتابِ مِنْ شَيءٍ” [الأنعام: 38]

([25]) العِلاقة بكسر العين، وهي في الأصل ما تعلق الشيء بغيْره، نحو: عِلاقة السوط والقوس، وغيرهما… أما العَلاقة بفتح العين، فهي علاقة الخصومة والحب، وهي تعلق الخصم بخصمه، والمحب بمحبوبه. الطوفي، سليمان، شرح مختصر الروضة: 1/506، (مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1407). وبفتح العين؛ على الأصل في المعاني، وبكسرها؛ على التشبيه بالأجسام، من علاقة السَّوط. (ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/155)

([26]) والمقصود بـ (أصلان) أنهما حرفان أصليان، وليسا زائدين، كما نص على ذلك أهل الصرف.

يُنظر: ابن جني، عثمان، المنصف: 1/11 (مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط1، 1371)؛ ابن يعيش، موفق الدين، شرح الملوكي في التصريف: 111- 112 (المكتبة العربية، حلب، ط1، 1393)

([27]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مادة: عفو

([28]) يُنظر مادة: (عفو) في المصادر الآتية: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة؛ المطرزي، المُغرب في ترتيب المُعرِب؛ الزبيدي، تاج العروس.

([29]) يُنظر مادة: (عفو) في المصادر الآتية: الفراهيدي، كتاب العين؛ ابن عباد، المحيط في اللغة؛ الجوهري، الصَّحاح؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن؛ ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر؛ المطرزي، المُغرب في ترتيب المُعرِب؛ ابن منظور، لسان العرب؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط؛ الفيومي، المصباح المنير؛ الزبيدي، تاج العروس.

([30]) سنن أبي داود، كتاب: الحدود. باب: العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان. رقم: 4376؛ سنن النَّسائي، كتاب: قطع السارق، باب: ما يكون حِرزاً، وما لا يكون، رقم: 4886

قال ابن حجر: وسنده إلى عَمرو بن شعيب صحيح. (فتح الباري، 12/87)

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك، رقم الحديث: 8156)

([31]) ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/265؛ ابن منظور، لسان العرب، مادة: عفو.

([32]) المطرزي، المُغرب في ترتيب المُعرِب، مادة: عفو.

([33]) سنن أبي داود، كتاب: الزكاة. باب: في زكاة السائمة. رقم: 1343

قال ابن حجر: أخرجه أبو داود، وغيْره، وإسناده حسن. (فتح الباري، 3/327)

([34]) يريد الفضة والدراهم المضروبة منها، وأصل اللفظة الوَرِق وهي الدراهم المضروبة خاصة، فحذفت الواو وعُوض منها الهاء. (ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/ 254)

([35]) ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر؛ المُغرب في ترتيب المُعرِب، المطرزي، مادة: عفو.

([36]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مادة: عفو.

([37]) يُنظر مادة: عفو في المصادر الآتية: الأزهري، تهذيب اللغة؛ المحيط في اللغة، ابن عباد؛ الجوهري، الصَّحاح؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن؛ الزمخشري، أساس البلاغة؛ الفائق في غريب الحديث، الزمخشري: 3/8؛ ابن الجوزي، غريب الحديث: 2/109؛ ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/265؛ المطرزي، المُغرب في ترتيب المُعرِب؛ الزبيدي، تاج العروس؛ ابن منظور، لسان العرب؛ الفيومي، المصباح المنير.

([38]) مسلم، كتاب: الطهارة. باب: خصال الفطرة، رقم: 259

([39]) سنن الترمذي، كتاب الصلاة. باب: ما جاء في الوقت الأول من الفضل رقم: 172 قال أبو عيسى: هذا حديث غريب. قال ابن حجر: الترمذي والدارقطني من حديث يعقوب بن الوليد المدني، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر به، ويعقوب. قال أحمد بن حنبل: كان من الكذابين الكبار، وكذبه ابن معين. وقال النسائي: متروك. وقال ابن حِبان: كان يضع الحديث وما روى هذا الحديث غيْره… وقال البيهقي: يعقوب كذبه سائر الحفاظ ونسبوه إلى الوضع. (التلخيص الحبيْر: رقم: 259) قال النووي: حديث ضعيف رواه الترمذي. (المجموع، 3/67)، علَّق محققُ سنن الترمذي الشيخ أحمد محمد شاكر، قائلاً: ومما لا أزل أعجب منه أن الشافعي يذكر هذا الحديث محتجاً به بدون إسناد، وهو حديث غير صحيح، بل حديث باطل.

([40]) الشافعي، الرسالة، رقم المسألة: 789

([41]) يُنظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن؛ ابن كثيْر، تفسيْر القرآن العظيم؛ الجصاص، أحكام القرآن. وذلك في معرض تفسيْرهم للآية: لا تسألوا.. عفا الله عنها [المائدة: 101]

([42]) مسند الشاميين، الطبَراني، رقم الحديث: 2102 قال الهيثمي: رواه البزار، والطبَراني في الكبيْر، وإسناده حسن، ورجاله موثقون. (مجمع الزوائد، كتاب: العلم، باب: في اتباع الكتاب والسنة ومعرفة الحلال من الحرام. رقم: 794)

([43]) مصنف ابن أبي شيبة، رقم الحديث: 35004

([44]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة: 1/162

([45]) ابن القيم، إعلام الموقعين: 2/435

([46]) ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم، الحديث رقم: 30

([47]) للشنقيطي، وذلك في معرض تفسيره للآية: { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [سورة المائدة: 101]

([48]) للسعدي، وذلك في معرض تفسيره للآية السابقة.

([49]) ابن حجر، فتح الباري: 13/269

([50]) أي حديث: «إنَّ أعظمَ المسلمين جُرْماً مَن سألَ.. » مر تخريجه في الصفحة السابقة.

([51]) المباركفوري تحفة الأحوذي: 5/325

([52]) ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم، الحديث رقم: 30

([53]) للشنقيطي، وذلك في معرض تفسيره للآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [سورة المائدة: 101]

([54]) المرجع السابق.

([55]) الطبراني، المعجم الكبير: 22/222

قال الهيثمي: رواه الطبَراني في الكبيْر، ورجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد، كتاب: العلم، باب: في اتباع الكتاب والسنة ومعرفة الحلال من الحرام. رقم: 796)

([56]) البخاري، كتاب: التمني. باب: ما يُكره من كثرة السؤال، وتكلف ما لا يعنيه. رقم: 6859؛ مسلم، كتاب: الفضائل. باب: توقيْره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه.. رقم: 2358 واللفظُ للبخاري.

([57]) مسلم، كتاب: الفضائل. باب: توقيْره وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه… رقم: 2358

نَقَّرَ عنه: بالغ في البحث عنه والاستقصاء. (شرح النووي)

([58]) المباركفوري، تحفة الأحوذي: 5/325

([59]) ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم، الحديث رقم: 30

([60]) للسعدي، وذلك في معرض تفسيره للآية السابقة.

([61]) ابن القيم، إعلام الموقعين: 1/71

([62]) الجصاص، أحكام القرآن، وذلك في معرض تفسيره للآية: { لا تسألوا.. عفا الله عنها }

([63]) البخاري، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة. باب: ما يُكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه. رقم: 6864

([64]) البخاري، نفس التخريج السابق.

([65]) قال الهيثمي: رواه الطبَراني في الكبيْر، ورجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد، كتاب: العلم، باب: قول العالِم: سلوني. رقم: 733)

([66]) الجصاص، أحكام القرآن. وذلك في معرض تفسيره للآية: {لا تسألوا.. عفا الله عنها} [المائدة: 101]

([67]) شرح النووي على صحيح مسلم، 15/110

([68]) مسلم، كتاب: الحج. باب: فرض الحج مرة في العمر، رقم: 1337

([69]) ابن السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج: 1/204؛ ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 1/127؛ الرازي، المحصول: 1/ 299؛ الآمدي، الإحكام: 1/36؛ الشنقيطي، نشر البنود: 1/85

([70]) الاستدلال بإشارة النص هو العمل بما ثبت بنظمه لغةً، لكنه غير مقصود، ولا سيق له النص، وليس بظاهر من كل وجه. (البخاري، كشف الأسرار: 1/174)

([71]) البخاري، كشف الأسرار: 1/174 -177؛ ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: 1/132؛ السرَّخسي، أصول السرَّخسي: 1/ 237؛ ابن نظام الدين الأنصاري، فواتح الرحموت: 1/723؛ السمرقندي، ميزان الأصول في نتائج العقول: 397

([72]) الشنقيطي، نشر البنود: 1/85

([73]) المنطوق: ما دلّ عليه اللفظ في محل النطق. والمفهوم: ما دلّ عليه اللفظ لا في محل النطق.. (الإسنوي، نهاية السول: 1/357؛ ابن مفلح، أصول الفقه: 3/1056)

([74]) ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 3/473؛ العطار، حاشية العطار على جمع الجوامع: 1/ 307؛ ابن مفلح، أصول الفقه: 3/1056؛ السبكي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب: 3/483؛ الشنقيطي، نشر البنود: 1/86

([75]) الطوفي، شرح مختصر الروضة: 2/ 709؛ ابن السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج: 1/204؛ الشيرازي، اللمع: 105

([76]) المحبوبي، التوضيح شرح التنقيح: 1/311

([77]) مسلم، كتاب: الطهارة باب: حكم ولوغ الكلب رقم: 280

([78]) المدونة، مالك بن أنس، كتاب: الوضوء، في الوضوء بسؤر الدواب والدجاج والكلاب، 1/ 5

([79]) المرجع السابق، 1/ 6

([80]) البخاري، كتاب: الوضوء. باب: الماء الذي يُغسَل به شعر الإنسان. رقم: 173

([81]) ابن حجر- فتح الباري، 1/279

([82]) يُنظر: ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: 1/ 134

([83]) يُنظر: البخاري، كشف الأسرار: 1/217؛ السرخسي، أصول السرخسي: 2/50

([84]) يُنظر: ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: 1/ 135

([85]) يُنظر: البخاري، كشف الأسرار: 1/217؛ أصول السرَّخسي: 2/50؛ ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: 1/135

([86]) يُنظر: ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: 1/135

([87]) المقتضِى بالكسر: اللفظ الطالب لإضمار شيء، لا يستقيم اللفظ إلا بذلك الإضمار. والمقتضَى بالفتح هو ذلك المضمر نفسُه، الذي اقتضى وجودُه تصحيحَ الكلام. يُنظر: ابن النجار، شرح الكوكب المنير: 3/199؛ الزركشي، بدر الدين، البحر المحيط: 4/210 (وزارة الأوقاف، الكويت، ط1، 1410)؛ العطار، حاشية العطار على جمع الجوامع: 2/21

([88]) قال الشاطبي: إن هذه الشريعة المباركة عربية… مَن أراد تفهمه (أي القرآن) فمن جهة لسان العرب يُفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غيْر هذه الجهة… (الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة: 2/64)

وقال: لسان العرب هو المترجم عن مقاصد الشارع… (المرجع السابق، 4/324)

وقال: إن الشريعة عربية، وإذا كانت عربية فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ لأنهما سيان في النمط.. فإذا فرضنا مبتدِئاً في فهم العربية، فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسِّطاً فهو متوسطٌ في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة، فكان فهمه فيها حجة، كما كان فهم الصحابة، وغيْرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة… (المرجع السابق، 4/115)

([89]) صحيح مسلم، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي طالب. رقم: 2408

([90]) سنن الترمذي، كتاب: فضائل القرآن عن رسول الله باب: ما جاء في فضل القرآن. رقم: 2906 قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول.. قال الهيثمي بعد أن رواه بألفاظ تقارب ما عند الترمذي: رواه الطبَراني، وفيه عمرو بن واقد، وهو متروك. (مجمع الزوائد، كتاب: التفسير، رقم: 11664)

([91]) لا يخفى أن التمسك بالقرآن الكريم لا ينفي التمسك بالسنة، بل إن التمسك بالسنة هو عين التمسك بالقرآن، وهو من التبعات الصحيحة للتمسك بالقرآن، فقد قال الله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] فالنبي بنص هذه الآية مُبلِّغ عن الله U… وقال الله U أيضاً: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7] فبهذه الآية أشار الله إلى الدور التكميلي للسنة النبوية المطهرة.. وقال الرسول: «إني أوتيت الكتابَ، وما يعدلُه». (صحيح ابن حِبان، كتاب: الوحي، باب: الاعتصام بالسنة. رقم: 12)

([92]) القول الأول: إنَّ الكتاب هو اللوح المحفوظ، فتكون معنى الآية: ما تركنا شيئاً من إلا وقد أثبتناه في أمِّ الكتاب. يُنظر في تفسير الآية رقم: 38 من سورة الأنعام في المراجع الآتية: ابن جزي الكلبي، التسهيل لعلوم التنْزيل؛ تفسير أبي السعود؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن؛ ابن الجوزي، زاد المسيْر.

([93]) شرح النووي على صحيح مسلم، 11/88؛ أصول السرَّخسي: 2/120؛ الرازي، المحصول: 5/62؛ الغزالي، المستصفى: 1/293؛ البصري، المعتمد في أصول الفقه: 2/230

ويُنظر في تفسير الآية رقم: 38 من سورة الأنعام في المراجع الآتية: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن؛ الآلوسي، روح المعاني؛ ابن الجوزي، زاد المسيْر؛ الجصاص، أحكام القرآن

([94]) قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُوْلي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]

وقال أيضًا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7]

([95]) سأعرض لرأي القاضي المخالف لهذه الفكرة في المطلب الثالث، مع المناقشة.

([96]) البخاري، كتاب: المرضى، باب: باب قول المريض قوموا عني. رقم: 5345؛ مسلم، كتاب: الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصى فيه. رقم: 1637

([97]) مسند الإمام أحمد، رقم الحديث: 20467؛ المعجم الكبير، الطبراني، رقم: 1647. قال الهيثمي: “رواه أحمد، والطبَراني… ورجال الطبَراني رجال الصحيح، غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ثقة، وفي إسناد أحمد مَن لم يسم. ” (مجمع الزوائد، كتاب: علامات النبوة، باب: فيما أوتي من العلم، رقم: 13971)

واللفظ الذي ذكره ابن حِبان: تركنا رسول الله e وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم. (صحيح ابن حبان، كتاب العلم، باب الزجر عن كتبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها، رقم: 65)

([98]) قال الهيثمي: رواه الطبَراني، ورجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد، كتاب: علامات النبوة، باب: فيما أوتي من العلم e رقم: 13973)

([99]) ابن الأثير الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، باب: الطاء مع الياء. 3/150

([100]) الشافعي، الأم، كتاب: إبطال الاستحسان، باب: إبطال الاستحسان. رقم: 55

([101]) الشافعي، الرسالة: 20

([102]) القرافي، الفروق: 4/68

([103]) ابن أمير حاج، التقرير والتحبير: 3/234

([104]) البخاري، كشف الأسرار: 301

([105]) الجويني، الغياثي: غياث الأمم في التياث الظلم، رقم المسألة: 639

([106]) أي: متتابعة. يُنظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة: وتر.

([107]) نفسٌ طُلَعَةٌ، كهُمَزَة: تُكثِر التطلعَ إلى الشيء. الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مادة: طلع.

([108]) الجويني، البرهان: رقم المسألة: 711

([109]) من البدهي ألا يكون قصد الشيخ بالرأي: مجرد الهوى؛ فهذا لا يقول به عاقل، فضلًا عن مجتهد كالجويني، فهو يقصد الرأي المسيَّج بأصول الشريعة، جاء في كتابه: “على كل ناظر ألا يتبع رأيه المحضَ حتى يربطه بأصول الشريعة، ومَن أَعمَلَ الرأيَ المجردَ أَحَلَّ وحَرَّمَ على خلافِ الشريعة، فلا حجةَ إذًا في قوله”. الجويني، البرهان: المسألة: 719

([110]) الجويني، البرهان: رقم المسألة: 716

([111]) يُنظر في هذه المراجع: المنخول، 1/485؛ حاشية العطار على جمع الجوامع: 2/328؛ القرافي، الفروق: 4/68 ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير: 3/ 321؛ الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة: 4/ 130؛ الآمدي، الإحكام: 2/ 68؛ الجويني، البرهان، رقم المسألة: 1528.

([112]) للغزالي، 1/485.

([113]) للجويني، رقم المسألة: 1527.

([114]) الجويني، البرهان، رقم المسألة: 1527

([115]) أي: القاضي.

([116]) الغزالي، المنخول: 1/485

([117]) يُنظر: الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة: 4/130

([118]) قال رسول الله: «بعثتُ بجوامع الكلم». البخاري، كتاب: الجهاد والسير. باب: قول النبي نُصرت بالرعب مسيرة شهر. رقم: 2815؛ مسلم، كتاب: المساجد… رقم: 523

([119]) يُنظر: الجويني، البرهان، رقم المسألة: 133